الأربعاء، 1 أغسطس 2012


أفلاطون


بعد أن أعدم أستاذه سقراط تملكه الغم والحزن وغادر أثينا إلى ميجار التي سافر إليها بعض تلاميذ سقراط ملتفين حول اقليدس الميغاري، مكث أفلاطون بها ثلاث سنين سافر منها إلى قورنيا حيث كان اريستبوس أحد تلاميذ سقراط قد أنشأ بها مدرسة، سافر أفلاطون إلى مصر حيث درس على الكهنة العلوم الرياضية والمعارف التاريخية وأخذ بنصيب من الفلك كما استفاد من تعرفه على ديانة المصريين ونظام الحكم والأخلاق.

إن سقراط هو صاحب الفضل الأكبر عليه منهجاً وروحاً وأخلاقاً، فلقد حوله من الشعر إلى الفلسفة، وإن بقي له أسلوبه الأدبي الرفيع، وهكذا صبت في شخص أفلاطون وفكره كل روافد الفلاسفة السابقين عليه.

صاغ مؤلفاته في شكل حوار فلسفي، وجعل من سقراط الشخص الرئيسي في كل محاوراته حتى تعذر فصل أفكاره عن آراء أستاذه.


قيمة منهج أفلاطون من الناحية الفلسفية تتلخص فيما يأتي:

1-
المنهج التلفيقي: من حيث مصادر أو أصول فلسفته استطاع أفلاطون بالرغم من المصادر المتباينة لفلسفته أن يجمعها في نسق مترابط يخضع فيه المحسوس للمعقول والجزئي للكلي، ويجمع بين تغير هيرقليط وثبات بارمندس ويؤلف بين الوحدة والكثرة. وطبع كل ما تلقاه بطابعه.

2-
المنهج الجدلي: من حيث عرض فلسفته ويعد أفلاطون أول من صاغ الجدل (الديالكتيك) صياغة فلسفية. ومن خلال منهج الجدل ربط أفلاطون بين مباحث الفلسفة جميعاً إذ ربط الوجود بالمعرفة ما ربط نظريته في النفس بكل من الأخلاق والسياسة.

3-
الثنائية: أقام أفلاطون ثنائية واضحة بين عالم المثل والعالم المحسوس في مجال الوجود، بين المعرفة العقلية والمعرفة الحسية في مجال المعرفة، بين النفس والجسم في الانسان، بين اليوتوبية (المدينة الفاضلة) وما هو واقع في السياسة.


قيمة فلسفة أفلاطون من حيث المذهب تتلخص فيما يلي:

1-
الميتافيزيقيا: تشرح نظرية المثل الوجودية بجوانبه الثلاثة الله – العالم – النفس، وإن كانت الألوهية لديه لا تتجاوز مفهومه لمثال الخير، كذلك "الصانع" لا يفيد معنى الخالق بالمفهوم الديني، ومع ذلك فلا شك أن أفلاطون قد تجاوز معنى الألوهية فكر الفلاسفة السابقين عليه، كما أضفى عليها دلالة أخلاقية، وبذلك قدم أول نظرية في الفلسفة عن العناية الإلهية، وأدان المعتقدات الشعبية عن إرضاء الآلهة بالقرابين مع تلوث النفس بالاثم.

2-
المذهب المثالي: يعد أفلاطون رائد المذهب المثالي في الفلسفة. سلب أفلاطون العالم الواقعي المحسوس كل حقيقة وجعله مجرد شبح أو خيال بينما جعل الحقيقة في عالم تصوره أفلاطون قائماً وله وجود سابق على هذا العالم.

3-
اليوتوبيا: ربما كان تأثير أفلاطون الالهي في الفلسفتين المسيحية والاسلامية بأشد مما له في حضارته، فلا نجد لنظريته في الألوهية أو خلود النفس تغييراً في معتقدات الأثينيين، ولم تتصدع آلهة المدينة بتأثير نظرية أفلاطون.

ولكن مدينته الفاضلة جاءت رد فعل لما روعه من فساد أنظمة أثينا السياسية.

إن نقطة البدء في يوتوبيا أفلاطون – كما هو الحال في كل يوتوبيا – فساد أوضاع سياسية قائمة فساداً يؤدي إلى اليأس في اصلاح الواقع فتكون نقطة البدء من المثل الأعلى لا من الواقع، من العقل لا من التجربة، وبذلك يكون أفلاطون متمشياً تماماً مع فلسفته المثالية: المثل حقيقة، العالم الخارجي أشباح، اليوتوبيا صلاح والواقع فساد. وإذا كانت اليوتوبيا تبدأ من التصور فذلك لا يعني أنها خيال محض، إذ اقتبس أفلاطون في جمهوريته كثيراً مما عرفه عن اسبارطة من نظام دقيق صارم.

4-
الفن: يعد أفلاطون أول من صاغ نظرية في فلسفة الجمال بصرف النظر عن موقعه من الفن ومن الشعر. فهو يرى أن الفن يستند إلى منطق الخيال لا إلى منطق العقل، ومن ثم لا يرقى الفن إلى مستوى العلم القائم على العقل. كما يرى أن الفن قائم على التقليد، وإذا كانت الطبيعة تقليداً لعالم المثل، وكان الفن تقليداً للطبيعة كان الفن تقليداً لتقليد، ومن ثم فإن الفن أدنى من العلم الطبيعي وهذا بدوره أدنى من المتيافيزيقا.

ومن ناحية أخرى إذا كانت الطبيعة صنع الله والصناعة صنع الإنسان وكان الفن تقليداً للصناعة كان فن الفنان أدنى من صنع الانسان.
هذا نقد يتعلق بالفن من حيث صورته أو مقولاته وينبثق من مفهوم أفلاطون لنظرية المثل.

أما الجانب الأخلاقي في الفن فيفسره أفلاطون كما يلي:

يلجأ الفن وخاصة الشعر إلى تزييف حقائق الأشياء وبين الفن والشعر صلة وثيقة، إن الفن شعر صامت كما أن الشعر فن متكلم، وكلاهما يستند إلى فكرة التقليد أو المحاكاة، ولكنكلاً من الفنان والشاعر إذ يقلدان لا يصفان الأشياء كما هي وإنما يضفي كل منهما من ذاته أو من شيطانه ليزيف حقيقة الأشياء مستنداً إلى الخداع، وإنك إن نزعت عن الشعر إيقاعه وأوزانه وقوافيه – وسائل الخداع – لما بدت لك بعد ذلك إلا معان سطحية تافهة بل ولا أخلاقية، لقد سممت أشعار هوميروس عقول اليونان وأفسدت ضمائرهم بما تروي عن الآلهة والأبطال من أخبار الخصومات وقبيح الأفعال وبما لا تفتأ تردده من أن الرجل العادي يعمل لخير غيره وشقاء نفسه مما يوهن عزيمة الانسان عن فعل الخير وبما يثير من شهوات.

يعمل الشعر على اثارة العواطف وشلل العقل وذلك يجعلنا نستحسن ونصفق لما نستنكره في الواقع، ولا يعمل الشاعر بما يقول لا يقود الجيوش ولا يشرع القوانين وإنما يكتفي بتمجيد القواد والحكام.
وأما خداع الفنان أو المصور فإنه يبرزها مشوهة في غير نسبها الحقيقة من حيث الشكل أو المقدار ولا يخدع إلا من بعد ولا ينخدع به إلا الجاهلون.

هكذا نظر أفلاطون إلى الفن والشعر من منظور أخلاقي سياسي فبالغ في إدانتها، ولقد كان يعتبر الشعر كالأسطورة طوراً تجاوز مسار الفكر البشري إلى الفلسفة، تماماً كما تجاوز الفكر الاغريقي في مرحلته الكلاسيكية مضمون أشعار هوميروس.

لقد بلغ أفلاطون بالفلسفة قمة ما بلغته الحضارة الاغريقية لا ينافسه في ذلك إلا تلميذه أرسطو وكان أثره في الفكر بالغاً حتى وإن خالف الناس آراءه في المثل وفي السياسة وفي الفن وربما في الحب أيضاً.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
copyright © 2010 الفلسفة من رحاب الجامعة المغربية. All lefts reserved.
تصميم